معرفة السيدة الزهراء (ع) 3
من أبحاث المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني دام ظله :
قال: يا محمد! يقول الله جلّ جلاله: كلها! ففلقتها، فرأيت نوراً ساطعاً وفزعت منه.
فهنا يحارُ عقل كلّ حكيم بل ومن كان فوق الحكماء، فالذي في ليلة المعراج بلغ فـ (دنا فتدلّى) ووصل إلى مقام (فأوحى إلى عبده ما أوحى) عندما رأى النور فزع منه، فأي نور كانت ؟
فقال: ما لك لا تأكل؟ كلها ولا تخف! فإنّ ذلك النّور للمنصورة في السماء، وهي في الأرض فاطمة.
فذلك النور نور التي إسمها السماوي: المنصورة، واسمها في الأرض: فاطمة.
والمطلب عميق جداً بحيث إن النبي الخاتم الذي قال فيه تعالى:( وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) يسأل من الله: لم سميّت في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة ؟ قال: سميّت في الأرض فاطمة لأنها فَطمت شيعتها من النار، وفُطم أعداؤها عن حبّها.
هذا سرّ اسمها في الأرض، وأمّا سرّ اسمها السماوي فيكشف عن منتهى ذلك المبدأ، حيث قلنا بأنّ المعرفة تتمّ بأمرين المبدأ والمنتهى. فمبدأها: نورالله، فما هو منتهاها؟
والجواب في تتمة الحديث:
وهي في السماء المنصورة، وذلك قول الله عزّوجلّ: ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصرالله.
فسميّت في السماء بالمنصورة لأن نصرة الله تلخّصت في فاطمة الزهراء. فالمبدأ كان نورالله، وصار المنتهى: في أن ذلك الذي تنتظره جميع الأنبياء والأولياء، كلّهم ينتظرونه في يوم القيامة حتى يظهر نصر الله.
هذه هي الجوهرة التي قصّرنا في حقَها.
وهذه البلاد التي تعنونت بإسم بلد الشيعة وعُرفت به، عليها أن تنهض في يوم شهادتها بما يتناسب مع ذلك المقام، فأي مقام هذا؟ فهنا يكلُّ اللسان ويعجز، فإن ذلك الذي عرفها وهو أمير المؤمنين، عندما أخرج يده من تراب القبر هاج به الحزن، وفي كلامٍ له في نهج البلاغة [ برقم 202] قال عندما وسّدَ نور الله ببدنها المجروح، وضلعها المكسور وأودعها التراب، ولم يكن أحدٌ يجرأ أن يتكلم معه، فحول وجهه إلى قبر أبيها فقال: السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النّازلة في جوارك والسريعة اللّحاق بك.
ثم قال كلمة لم يسبقها ولم يلحقها مثيل في تاريخ حياته: قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، ورقّ عنها تجلّدي!
فمن تفطّر قلب ذلك الذي لا نظير له، يُكشَف عن عظمة تلك المصيبة، فهو بعد تلك الكلمات قال: يا رسول الله قد عاينت فراقك، ووسدّتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، فإن الله قد قبض روحك بين نحري وصدري، فبعد فادح مصيبتك حلّت بي هذه المصيبة.
إسعوا في هذه الأيام بما في وسعكم لإحياء أمر الصّديقة الكبرى، وأنْ لا تتخلّفوا عن هذا الفيض العظيم، فإنتشروا في أنحاء البلاد وقولوا للناس: إنّ المصيبة التي اضطرب لها قلب " قلب عالم الإمكان" فكيف تكون وظيفتكم تجاه هذه المصيبة العظمى؟ حيث قال أمير المؤمنين لرسول الله: واستخبرها الحال فأحفها السؤال! الإحفاء: الإستقصاء في السؤال. فما الذي جرى؟ وكيف انقضى؟ وكيف تُحمّل؟ هذا يعني أن فاطمة لم تخبرني بما جرى عليها وذهبت وغاب معها ما قد حدث عليها.
ولكنك – يا رسول الله – استقصها السؤال واستخبرها في ما جرى عليها. حيث إنّها كانت سالمةً عند ارتحالك من الدنيا، ولكنني سلّمتها إليك وقد صارت شبحاً كالخيال!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق