السبت، 7 ديسمبر 2013

اشتهار شهر صفر بالنحوسة

سيد هاشم الهاشمي

اشتهار شهر صفر بالنحوسة أمر لا أساس له في روايات أهل البيت (ع)، فلم تشر أي رواية إلى ذلك، وإنما الأساس في ذلك هو ما اشتهر بين الناس، ورب مشهور لا أصل له.
كما لم يشر علماء الطائفة ممن اهتم بتصنيف الكتب المخصصة لأعمال الشهور والأيام إلى ورود أي شيء بخصوص نحوسة شهر صفر، فلا إشارة لذلك في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي أو إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس أو البلد الأمين للكفعمي.

بل نجد العشرات من مراجعنا وعلمائنا الكبار عندما ينتهون من تصنيف كتاب أو يفرغون من الإجابة على سؤال أنهم يذكرون تاريخ الانتهاء والفراغ، وعندما يكون في شهر صفر يكتبون عبارة: (صفر الخير)، والظاهر أن سبب وصفهم له بالخير هو دفع ما ارتكز في كثير من الأذهان من أنه شهر النحوسة والشؤم. (راجع على سبيل المثال: إجازة علي بن عبد العالي الكركي المكتوبة في 11 صفر الخير سنة 928ه‍ في بحار الأنوار ج105 ص59، ومقدمة السيد المرعشي لمقدمة الجزء 14 من إحقاق الحق والمكتوبة في 22 صفر الخير 1398ه‍)

نعم هو شهر عرف بمناسباته الحزينة من شهادة النبي (ص) والأئمة المعصومين الحسن والرضا عليهما السلام ودخول أسرى آل محمد إلى الشام ويوم الأربعين، ولذا يتجنب الشيعة من كل مظهر فيه دلالة على الفرح كالأعراس والاحتفالات البهيجة، وبذلك جاءت الوصية من المراجع والعلماء.

ومن هنا فلا محذور من انتقالك إلى بيتك الجديد في هذا الشهر، ولكن يستحسن عدم إظهار ما يدل على الفرح فيه بإقامة الوليمة، كما أن التصدق عند الانتقال إلى سكن جديد أو تقديمه عند كل فعل مهم أمر راجح لصرف المساوئ والبلايا، ولا اختصاص له بشهر صفر.
ولعل مما زاد من اعتقاد الناس بنحوسة هذا الشهر فلا يشترون أي شيء جديد ولا ينتقلون إلى سكن جديد ما ذكره الشيخ عباس القمي في الفصل الثامن من الباب الثاني من كتابه مفاتيح الجنان حول شهر صفر فقال:

"اعلم أن هذا الشهر شهر معروف بالنحوسة، ولا شيء أجدى لرفع النحوسة من الصدقة والأدعية والاستعاذات المأثورة، ومن أراد أن يصان مما ينزل في هذا الشهر من البلاء فليقل كل يوم عشر مرات، كما روى المحدث الفيض وغيره:
" يا شديد القوى ويا شديد المحال، يا عزيز يا عزيز يا عزيز، ذلّت بعظمتك جميع خلقك فاكفني شر خلقك، يا محسن يا مجمل، يا منعم يا مفضل، يا لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم، وكذلك ننجي المؤمنين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين".

ولا خلاف لدينا معه رضوان الله عليه في أن الصدقة والأدعية والاستعاذات نافعة لكل أمر جاء الدليل على نحوسته، ولكن الكلام كل الكلام في وجود ذلك الدليل في خصوص شهر صفر.

فما ذكره من كونه مشهورا لم يسنده إلى أساس، هل هو الرواية؟ أم هو أحاديث الناس؟ ولو كان الأول لبان وأظهره بنفسه، ولو كان الثاني فلا قيمة له.

ولأنه لم يرد في النحوسة شيء منصوص بيّن الشيخ عباس القمي الوجوه المحتملة لهذا المشهور في كتابه وقائع الأيام فقال:

"اعلم أن هذا الشهر عرف بالشؤم، ربما كان السبب وقوع وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشهر، يوم الأثنين، وربما كان الشؤم بسبب وقوع شهر صفر بعد ثلاثة من الأشهر الحرم حيث حرّم الله فيها القتال، وقد سُمِح لهم بالقتال في هذا الشهر، فكان الناس يتركون بيوتهم ويتأهبون للحرب، وهذا مدعاة للشؤم". (وقائع الأيام ص185 بتقديم: الشيخ علي بن عباس القمي، وتعريب: السيد محمد باقر القزويني قدس سره، ومن طبع مؤسسة البلاغ في بيروت)
وأقول:

هذان الوجهان مردودان ولا ينفعان في تأسيس الشؤم وإثباته لأنه ذكرهما على نحو الاحتمال الظني الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ولأن نفس الاحتمالين ضعيفان.
أما الاقتران بوفاة النبي (ص) فلا يجعل الشهر كله ذا شؤم بل يجعله مقرونا بالحزن، فشهادة أمير المؤمنين (ع) كانت في شهر رمضان المبارك وكذلك شهادة بقية المعصومين وقعت في أشهر مختلفة لم يرد فيها أنها أشهر شؤم ونحوسة.

أما وقوعه بعد الأشهر الحرم فهذه قضية خارجية لا علاقة لها بالشهر نفسه، وهو تبع لطبيعة المجتمعات في الأزمنة المختلفة، فقد يكون منشأ شؤم لأجل الحرب بالنسبة لبعض العرب في الجاهلية، وقد لا يكون كذلك لأقوام آخرين من العرب في ذلك الوقت أو في أوقات أخرى، كما قد لا يكون كذلك لغير العرب.

أما ما استدل عليه الشيخ عباس القمي بالدعاء الذي نقله عن الفيض الكاشاني فلا ينفع في الإثبات.

أما الدعاء فلم أجده في كتب الأدعية التي سبقت الفيض الكاشاني (قد)، وهو لم يشر بعد الرجوع إلى النسخة الخطية للكتاب إلى أن الدعاء قد رواه عن أي واحد من المعصومين عليهم السلام.

ولو قلنا أنه من الأدعية المأثورة – كما هو مقتضى دأب علمائنا في مثل هذه الأدعية المخصصة للأزمنة - فإن ترتب أثر دفع البلية في شهر صفر على قراءة الدعاء لا يجعل الشهر منحوسا، لعدم الملازمة بين قراءة دعاء لرفع البلايا النازلة في زمان ما وبين نحوسة ذلك الزمان، فما أكثر الأدعية التي ورد النص بقراءتها لدفع البلاء عما يكون في يوم الإنسان أو فيما بين الجمعتين أو في تلك السنة، ومع ذلك لم يدع أحد أن أيام السنة كلها منحوسة.
وأكتفي بذكر بعض الأمثلة على ذلك:

روى الشيخ الطوسي عنهم عليهم السلام أن من صلى الظهر يوم الجمعة، وصلى بعدها ركعتين يقرأ في الأولى الحمد، وقل هو الله أحد سبع مرات ، وفي الثانية مثل ذلك، وقال بعد فراغه منها: «اللهم اجعلني من أهل الجنة التي حشوها البركة وعمارها الملائكة مع نبينا محمد وأبينا إبراهيم عليهما السلام »لم تضره بلية، ولم تصبه فتنة إلى الجمعة الأخرى وجمع الله بينه وبين محمد وإبراهيم عليهما السلام. (مصباح المتهجد ص378)

وروى الصدوق بسنده عن الإمام جعفر بن محمد (ع)، عن أبيه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (ع) ، قال: «قال رسول الله (ص): من قرأ في دبر صلاة الجمعة بفاتحة الكتاب مرة و(قل هو الله أحد) سبع مرات، وفاتحة الكتاب مرة و(قل أعوذ برب الفلق) سبع مرات وفاتحة الكتاب مرة و(قل أعوذ برب الناس) سبع مرات لم تنزل به بلية، ولم تصبه فتنة إلى يوم الجمعة الأخرى». (الأمالي ص406 المجلس 53 ح2

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق