في طريق السالكين إلى الله ج18
حقيقة الزُّهد :
يقول الإمام الخميني رحمة الله عليه في «الأربعون حديثاً»:
«وما ورد في القرآن الكريم والحديث عن ذمِّ الدُّنيا، يعود إلى التوجُّه نحوها، وانشداد القلب إليها».
فما لم يتعلَّق القلبُ بها، ولم ينشدَّ إليها لا يكون مذموماً، بل هو مزرعةٌ للآخرة، ولا يتنافى هذا مع حقيقة الزُّهد والإعراض عنها، مع الاستفادة منها.
يُتابع رضوان الله عليه قائلاً:
«والدُّنْيا، وإنْ كانت ناقصة بذاتها، لكنْ بما أنَّها مهدُ تربية النَّفس القدسية، ودار تحصيل المقامات العالية، ومزرعةُ الآخرة، كانت المغنم الأفضل عند الأولياء وأهل سلوك الآخرة».
ويخلص إلى القول، رحمةُ الله تعالى عليه:
«فالمذموم من الدُّنْيا هو حُبُّها والتعلُّق بها، وهذا منشأ كلِّ المفاسد القلبية والظَّاهرية».
فالمهم، أنْ لا يركن السالك إلى الله عزَّ وجَلَّ لعطاءات الدُّنْيا، فيسكر بها، وأنْ لا يحزن على ما فاته ما دام ذلك لا يؤثِّر على إيمانه وسفره الأخروي.
يقول الإمام أمير المؤمنين : «الزُّهد كلُّه في كلمتين من القرآن، قال الله تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}
، فَمَنْ لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فهو الزاهد».
وفي تنبيه الخواطر يقول : «يا ابن آدم، لا تأسف على مفقودٍ لا يردُّه إليك الفوت، ولا تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت».
فالسالك لا يأسف على ما فاته، ولا ينشغل عن آخرته بشيء، ولا ينتظر الفرج من أحد، ولا العِوض، ولا حمدَ النَّاس...
يقول الإمام الصَّادق : «الزُّهد مفتاح باب الآخرة، والبراءة من النَّار، وهو تركك كلَّ شيء يشغلك عن الله، من غير تأسُّف على فوتها، ولا إعجاب في تركها، ولا انتظار فرج منها، ولا طلب محمدة عليها، ولا عوض منها، بل ترى فوتها راحة، وكونها آفة، وتكون أبداً هارباً من الآفة، معتصماً بالرَّاحة».
يتبع في الحلقات القادمة بإذن الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق