الأربعاء، 8 أغسطس 2012

أوصاف ليلة القدر:


أوصاف ليلة القدر:
إلاّ أنّ كلّ هذه الأوصاف لشهر رمضان بالقياس إلى أوصاف ليلة القدر منه هي دون الأوصاف التي وصفت بها تلك الليلة; فإنّ تلك الأوصاف قد ذكرت لليلة القدر بنحو مضاعف أضعافاً، وكأنّ الشهر توطئة وإعداد للولوج في تلك الليلة، حتّى أنّ أغلب أدعية ذلك الشهر المأثورة تركّز على الدعاء والطلب لإدراك تلك الليلة، ولطلب حسن ما يقضي ويقدّر من الأمر المحتوم وما يفرق من الأمر الحكيم في تلك الليلة من القضاء الذي لا يردّ ولا يبدّل.
ومن تلك الأوصاف، أنّها أوّل السنة المعنوية بلحاظ لوح القضاء والقدر. فقد روى الكُليني عن رفاعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: "ليلة القدر هي أوّل السنة وهي آخرها" .
وروى الشيخ في التهذيب بعدّة أسانيد إلى مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إذا سلم شهر رمضان سلمت السنة، وقال: رأس السنة شهر رمضان" .
وروى الكُليني بسنده إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، فغرّة الشهور شهر الله عزّوجلّ وهو شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر" .
وروى ابن طاووس في الإقبال بإسناده إلى علي بن فضّال من كتاب الصيام، بإسناده إلى ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "شهر رمضان رأس السنة" .
وقال أيضاً في كتاب إقبال الأعمال بعد ذكر جملة للروايات المتضمّنة لهذا المضمون: (واعلم أنّني وجدت الروايات مختلفات، هل أنّ أوّل السنة محرّم أو شهر رمضان؟ لكنّني رأيت من عمل من أدركته من علماء أصحابنا المعتبرين وكثيراً من تصانيف علمائهم الماضين، أنّ أوّل السنة شهر رمضان على التعيين، ولعلّ شهر الصيام أوّل العام في عبادات الإسلام، والمحرّم أوّل السنة في غير ذلك من التواريخ ومهام الأنام; لأنّه جلّ جلاله عظّم شهر رمضان، فقال جلّ جلاله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} فلسان حال هذا التعظيم كالشاهد لشهر رمضان بالتقديم; ولأنّه لم يجر لشهر من شهور السنة ذكر باسمه في القرآن وتعظيم أمره إلاّ لهذا الشهر شهر الصيام، وهذا الاختصاص بذكره كأنه ينبّه ـ والله أعلم ـ على تقديم أمره; ولأنّه إذا كان أوّل السنة شهر الصيام وفيه ما قد اختصّ به من العبادات التي ليست في غيره من الشهور والأيام، فكأنّ الإنسان قد استقبل أوّل السنة; ولأنّ فيه ليلة القدر التي يُكتب فيها مقدار الآجال وإطلاق الآمال، وذلك منبّه على أنّ شهر الصيام أوّل السنة).
قال المجلسي (قدس سره): قال الوالد العلاّمة: (الظاهر أنّ الأوّلية باعتبار التقدير، أي أوّل السنة التي تقدّر فيها الأُمور لليلة القدر، والآخرية باعتبار المجاورة، فإنّ ما قدّر في السنة الماضية انتهى إليها، كما ورد أنّ أوّل السنة التي يحلّ فيها الأكل والشرب يوم الفطر، أو أنّ عملها يُكتب في آخر السنة الأُولى وأوّل السنة الثانية كصلاة الصبح في أوّل الوقت، أو يكون أوّل السنة باعتبار تقدير ما يكون في السنة الآتية وآخر سنة المقدّر فيها الأُمور).
ومنها: ما رواه الطبرسي في مجمع البيان، والاستربادي في تأويل الآيات. عن ابن عبّاس عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "إذا كانت ليلة القدر تنزّل الملائكة الذين هم سكان سدرة المنتهى وفيهم جبرئيل، ومعهم ألوية فينصب لواء منها على قبري ولواء منها في المسجد الحرام ولواء منها على طور سيناء، ولا يدع مؤمن ولا مؤمنة إلاّ ويسلّم عليه، إلاّ مدمن خمر وآكل لحم خنزير والمتضمّخ بالزعفران". ونظيره ما روي في كتاب جعفر بن محمد الدورستري.
ومنها: يفرق فيها كلّ أمر حكيم، وأنّها مباركة ببركة خاصّة مضاعفة مُمتازة عن بركة شهر رمضان كلّه، حيث قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْر حَكِيم}، وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر}.
ومنها: أنّها موصوفة بالسلامة، حيث قال تعالى: {سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، مع أنّ شهر رمضان كما تقدّم ـ تُصفد فيه الشياطين وتُفتح فيه أبواب السماء وأبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران، إلاّ أنّ في ليلة القدر يزداد هذا الفتح لأبواب والغلق لأبواب أُخرى.
ومنها: يُضاعف العمل ثلاثين ألف ضعف، كما قال تعالى: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر}. إلى غير ذلك من الخصائص التي امتازت بها ليلة القدر، إلاّ أنّ كلّ ذلك هو تمهيد وتوطئة وإعداد لأكبر امتياز وخاصّية امتازت بها ليلة القدر، وهو نزول القرآن والروح والملائكة فيها في كلّ عام.
وروي في مجمع البيان عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: "إنّ الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتّى يضيء فجرها، ولا يستطيع فيها أن ينال أحداً بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد، ولا ينفذ فيه سحر ساحر".


من كتاب ليلة القدر حقيقة الإمامة للعلامة الشيخ محمد السند .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق