- بيئة ليلة القدر شهر رمضان:
إنّ الناظر في خصائص شهر رمضان وما أحيط به من هالة معنوية وزخم روحي كبير وتركيز مكثّف هو تمهيد لليلة القدر، وإنّ ذلك لا يقتصر على شهر رمضان بل يبدأ من شهر رجب ومن بعده شهر شعبان إلى أن يصل شهر رمضان، شهر الله الذي عُظّم من الله عزّوجلّ، حيث نُسب إليه تعالى وجُعلت فيه ليلة القدر. وكذلك كونه شهر ضيافة الله عزّوجلّ وأنّه أُنزل فيه القرآن العظيم، حيث قال تعالى: {شَهْرُ رَمَض...َانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
وكلّ هذا التعظيم حلقات مترابطة لتصل إلى ما في شهر رمضان من أوج العظمة وهي ليلة القدر، حيث إنّ فضائل شهر رمضان في جانب وفضائل ليلة القدر في جانب آخر، فإنّ كلّ ما حفّ به شهر رجب الأصبّ الذي تصبّ فيه الرحمة صبّاً، وشهر شعبان الذي تتشعّب فيه طرق الخير، كلّ ذلك قد تضاعف أضعافاً في خصائص شهر رمضان، وتضاعف ما في شهر رمضان من خصائص إلى ثلاثين ألف ضعف في ليلة القدر.
فليلة القدر هي أوج عظمة الضيافة الإلهية والحفاوة الربّانية، فأوج نصيب حظّ العباد إدراك ليلة القدر، إلاّ أنّ هذا الإدراك للّيلة العظيمة ليس بمجرّد الكمّ الكبير من العبادات والأدعية والابتهال والتنفّل; فإنّ كلّ ذلك إعداد ضروري لما وراءه من إدراك آخر لحقيقة ليلة القدر وهو معرفة هذه الليلة، ومعرفتها هو بمعرفة حقيقتها المتّصلة بحقيقة الإمام والإمامة.
فمن ثمّ كان شهر رمضان شهر الله الأغرّ وشهر معرفة الإمام خليفة الله في أرضه، فكما أنّ شهر رمضان نفخ بالحياة للدين القويم، فإنّ ليلة القدر هي القلب النابض في هذا الشهر; لما لها من صلة بالإمام وتنزّل الروح الأعظم عليه.
فشهر رمضان بوابة لمعرفة ليلة القدر، وليلة القدر بوابة لمعرفة الإمام والارتباط به والانشداد إليه، فجُعل شهر رمضان سيد الشهور كما جاء في روايات الفريقين، وجُعلت ليلة القدر قلب شهر رمضان كما ورد في الحديث.
وقد جُعل شهر رمضان أعظم حرمة من الأشهر الحُرُم الأربعة، وهذه العظمة لشهر رمضان أنّما هو لما فيه من تلك الليلة العظيمة، فهو كالجسم وهي كالروح له، مع أنّ شهر رمضان هو كالروح للأشهر الحُرُم الأربعة التي منها شهر رجب. وكلّ ذلك يرسم مدى العظمة التي تحتلّها ليلة القدر، وقد بيّن الغاية من الصيام في شهر رمضان في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}.
والصيام على درجات كما كان في الشرائع السابقة، فلا يقتصر على الإمساك البدني بل يرتبط بالدرجات الاعتقادية كالإمساك عن الكذب على الله ورسوله، فصيام على مستوى الجانب البدني وصيام الجوانح وصيام على مستوى الحالات النفسية والخواطر، وهناك صيام على مستوى الحالات القلبية وحالاته وخواطره.
وأعظم المراتب على مستوى الاعتقاد، كما يشير إليه قول الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية جراح المدائني(، فبيّن (عليه السلام) صوم الصمت كما هو صوم زكريا ومريم، وعُرف بصوم الصمت الداخل، أي الإمساك بحسب كلّ مراتب النفس الباطنية.
من كتاب ليلة القدر حقيقة الامامة للشيخ محمد السند.
الاثنين، 6 أغسطس 2012
بيئة ليلة القدر شهر رمضان:
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق